في كل عام قبيل مقدم شهر رمضان المبارك تشمر والدتي عن ساعدها بتجهيز هدايا رمضان لصويحباتها من جاراتها بالحي إلى وسط مدينة الرياض، تبعث لهم التهنئة الرمضانية والهدايا المعتادة كل عام في جفوة كيس مضمونه كيلو من الدخن المطحون وجالون لبن، هذه هدية والدتي لصويحباتها إذ الدخن مكوّن أساسي في السفرة الرمضانية على وجه الخصوص، مشروب الدخن المعروف في أوساطنا بالفرو فرو هو مشروب لا يكاد يخلو منه بيت، يُخلط الدخن الناعم مع السكر والماء واللبن ويُشرب بارداً في نهاية المائدة، أعوام عديدة وهذه الهدية الرمضانية تصل لصديقات أمي وأحياناً أقوم بنفسي بإيصال هذه الهدايا أُطلق عنان السفر إلى مدينة الرياض لتقديم التهنئة وتسليم الهدية، وحتى هذا العام فعلتُ ما أفعله كل عام، وكثيراً ما يأخذني التفكير عن مدى اهتمام والدتي بتقديم هديتها الرمضانية بهذه البساطة في تكوينها وشدة العناية في إيصالها، وجدتُ أن الهدف المرجو من ذلك أبعد مما أتصوره عقلاً، ذلك تقوية لرابطة الصداقة بينهن التي امتدت إلى خمسة عقود يحافظن عليها بدوام السؤال عن بعضهن وتبادل الهدايا الرمزية اللاتي اعتدن عليها في تفاصيل حياتهن، مثل هذه التفاصيل البسيطة تثمر في الصداقات لأبعاد لا نهاية لها ويدوم ضياؤها في النفوس ولا ينطفئ مع الأيام.