حزمت حقيبتي وقصدتُ المطار في رحلةٍ إلى إحدى جِنان الأرض وصورة من صور النعيم البصري الماتع، كانت الخطوط القطرية هي رُبّان مسير الطريق، أقلعنا من جدة الى الدوحة لاستراحة بسيطة ثم انطلقنا راشدين إلى مدينة أكرا عاصمة غانا، كانت رحلة الطيران من الدوحة الى غانا عشر ساعات كاملات، من سوء حظّي كان بحواري في الطائرة رجل قد شتمته في نفسي كثيراً، جمع بين خطيئتين لا تُغفَر رائحة العفن الجسدي وقباحة رائحة مشروبه الفاسد، اعتقد انه لا يهتم بجودة الاستحمام كثيراً، ورائحة ما شربه قبل صعوده الطائرة أسوأ عفانة من سوء رائحة جسده، ألهمني الله الصبر مسافة الطريق، لا مجال لتغيير وتبديل المقاعد فالطائرة مليئة من أسفلها لأعلاها، وصلنا آمنين فرحين مستبشرين، خرجنا من المطار وكانت السماء متزينة بالغيوم متعطّرة برائحة المطر، أخبروني أنهم منذ أيام لا يرون الشمس أبداً حتى البعض يختلط عليه وقت صلاة الظهر مع وقت صلاة العصر من شدّة غيم السماء وتساقط المطر، الطقس هنا نعيم لا يُوصَف.
ومع صباح يوم الجمعة اتجهنا للجامع الوطني في قلب العاصمة أكرا، جامع ضخم تم بناؤه على الطراز العثماني بكامل التفاصيل، جامع وحوله مدرسة تعليمية للمراحل الثلاث الأولى ومبنى جامعي ومكتبة كبيرة في طور ترتيب الكتب وإعدادها، كل ذلك تكفّلت به مؤسسة تركية في غانا، المباني الدراسية يدرس بها الغانيين بمناهج تركية وإشرافهم، يشرف على ذلك الشيخ عثمان نوح، معمّر في السن صحيح العقل والبدن، عمره الآن 105 سنوات، يُنادى بين قومه ومحبيه ب Chief Imam يقولون هو مفتي البلاد، وله محبة كبيرة في قلوب كثير من المسلمين ولهم في اعتقاد حسن عظيم، وهو قائد الطريقة التجانية وأتباعها في البلاد، والكل يُعطى والله فعّال لما يريد، خطب بنا خطيب الجمعة الخطبة الأولى باللغة العربية ثم الخطبة الثانية نصفها بلغة الهوسا والنصف الثاني باللغة الانجليزية، الشعب الغاني كثير منه نصارى ثم الأقل منهم عدداً المسلمون وهم أصناف كثيرهم صوفية إما على الطريقة التجانية وهم الاكثر، أو على الطريقة القادرية وهم اقل بكثير، وبعض المسلمون هنا من طائفة الشيعة، وتواجد الشيعة في البلاد بسبب انتشار أقلّية من لبنان وإيران، يعملون في التجارة وينشرون فكرهم وتعاليمهم بوجودهم، وأغرب ما رأيت وجود نسبة من طائفة الهندوس، وبدأ عددهم في ازدياد وذلك بوجود أقلية من الهند للتجارة وبدأو في النزوح والتوسّع كثيراً، سبحانك ربي ،
الاهتمام بالتعليم هنا في غانا عالي جداً، نسبة الأمية قليلة رغم المصاعب التي يواجهونها، الشعب يهتم بالتعليم كثيراً، كل شيء يُدرس بنظام وإتقان، جميع العلوم والتخصصات لها اهتمام وعناية، الموسيقى والرقص أمر فطري وغاية مطلوبة، حتى في التعليم تُدرّس الموسيقى منذ الصِغَر، الموسيقى تُضفي على حياتهم الفرح والسعادة، حتى في أصعب الأوقات يفرح الجميع بقدر استطاعته وحاجته، ترقص الواحدة من النساء وكأنها آلة ناي تشرح نفسها برقصاتها، لكل أعضاء جسدها غاية ووظيفة في التناغم الموسيقي، أكثر وصفاً من ذلك لا يمكن، إذ الحال لا يحتمل وبعض المشاهد لا تُوصَف، تُرى رأي العين كرؤية عاشق لحبيبته في مساء عُرسها.
دُونت هذه الحروف عصر يوم الأحد 2023/08/13 مـ من أرض أكرا عاصمة غانا أرض الجمال والطبيعة.