مدونة أبو فراس عبد العظيم بن عبدالله هوساوي

التجويد وتقويم اللسان

كانت العرب في القرون الأولى سليمة النطق واضحة النطق في الكلمات والحروف، إذا تكلّم احدهم يُفهَم حديثه من سلامة نطقه، ومع مرور الأيام واتسعت دائرة المسلمين واختلاطهم بالبيئات الأخرى كالفُرس والعجم وغيرهم امتزجت اللغات وتعددت الألسن حتى صار الواحد منهم يتكلّم وفي لسانه اعوجاج حرف يتطلّب تقويم وترشيد في الإخراج، تصدّى لذلك العلماء على مدار الأزمنة حتى كتبوا في علم التجويد مؤلفات خاصة وأصبح علماً مستقلّاً بذاته لمقاصد كثيرة منها تقويم الألسن على النطق الصحيح للتعبّد وقراءة القرآن الكريم بشكلٍ واضح، وأصبح علم التقويم مساعداً أساسياً في معرفة حياة الحروف وتفاصيلها ومعرفة التعامل معها ليستطيع الإنسان بشكلٍ سليم يفهمه كل مَن يسمعه، إذ النطق السليم للكلمات والحروف وسيلة مريحة وجاذبة للإنصات لمن يتكلم، ولذلك عندما كنا صغاراً أول ما نبدأ به حلقات التحفيظ تعلّم التهجّي للحروف والتمرّس على نطقها الصحيح حتى يسهل علينا قراءة القرآن وحفظه بكل يُسْرٍ وسهولة، وأذكر ذات مرة جائني شخص يعمل مذيعاً بإحدى القنوات يطلب مني مساعدته في دراسة التجويد بتفاصيله ليسهل عليه تنمية موهبته الإذاعية، وأخذنا ستة أشهر نتدارس التجويد وممارسة مسائله بشكلٍ صحيح وأصبح يتكلّم بجمالية وإتقان، إذ الحروف كالعضلة في جسم الإنسان لها وجود أصلي تنمو بشكل سليم إذا فُهِمَتْ تفاصيلها وأُعطيت حقها في الظهور والنشأة.