مدونة أبو فراس عبد العظيم بن عبدالله هوساوي

تايلند

الساعة الحادية عشرة ليلاً كنا نشرب الشاي الأخضر كما اعتدت مع صديقي عمر، قد انهمكنا من أعمال الموسم وتراكم الأعمال وقلّة النوم مع ضرورة الاحتياج، همس لي بصوتٍ مستغيث للراحة والاسترخاء بعيداً عن هذا الصخب العملي في مدلهمّات الحياة، بعد برهة تفكير اقترحنا السفر إلى دولةٍ يُسترخى فيها ويُستأنس بطبيعتها وتفاصيلها، تايلند هي ملاذ هروبنا في ذلك الاختيار، ابتدأنا في تجهيزات السفر واتجهتُ إلى سفارة تايلند لأخذ التأشيرة وإكمال بسمة السعادة، كان كل شيء على مايرام حتى واجهتنا معضلة لم تطرأ على عقولنا وترددنا في الإكمال أو تغيير الوجهة، ولأننا نوينا ما نريد وعقدنا العزم خضنا الغمار بكل قوة حتى نلبّي رغبة نفوسنا، انتصرنا في نهاية المطاف وحزمنا حقائبنا راشدين إلى المطار، كانت الرحلة على الخطوط الأردنية، أقلعنا من جدة إلى مطار عَمّان للاستراحة ثم إكمال الرحلة، وصلنا مطار الأردن بعد صلاة المغرب وكان الطقس بارداً بما تعنيه الكلمة، لم ننتبه لذلك وأخذنا البرد بقسوته أيما مأخذ، صبرنا على شدة البرد حتى مطلع الفجر صلينا واتجهنا إلى الطائرة لوجهتنا المقصودة، عشر ساعات ونصف من الأردن إلى تايلند وصلنا إلى مطار عاصمتها بانكوك وهي كئيبة كاملة الكآبة لا أُنس فيها ولا راحة، وهذه من عوائد أغلب العواصم في أكثر البلدان متزاحمة الوجود فارغة من الأُنس بالموجود، مكثنا فيها ليلة واحدة ثم اتجهنا إلى مدينة فوكيت والبعض يُنطقونها بالباء بوكيت وهي جزيرة في جنوب تايلند تبعد عن العاصمة مسيرة ساعتين تقريباً بالطائرة، وصلناها صباحاً وكان الطقس مرحباً مؤنساً مواسياً بالحاضرين، الشمس في كبد السماء ولكنها ضوء ساطع بلا حرارة، السُحُب متعانقة يحط علينا من فيض عناق السُحُب هَتّان متواصل ينقطع قليلاً ثم يستأنف بالهطول حتى اقتراب مغيب الشمس، هكذا دواليك في بواقي أيامنا بجزيرة فوكيت الليالي الثمان وكانت من أجمل الليالي وأحلاها، الهدوء في تلك الجزيرة صورة منعكسة للنعيم الموعود به لكل صادق، كل شيء فيها جميل من اجواء وبشر وطبيعة وطعام وشراب وبحر، تفاصليها غَنّاءة بالورد العتيق وشَهْد السلسبيل، طعام تلك البلاد بحري في أكثره ولا يعرفون اللحم الأحمر بقراً أو غنماً إلا في قلّة قليلة لا تُذكَر، يُتقنون إعداد الأطعمة البحرية ولا يتركون في البحر شيئاً إلا وله وصفة طبخ اُعدت لذلك الصنف، وأشهر أطباقهم شوربة التوم يوم وهي شوربة بحرية متعددة الأصناف والأعشاب ونكهات البهار الآسيوي، كنت أشربها بمذاقها الحار جداً إذ بتلك الحرارة يُستلذ طعمها ويُستطاب ماؤها، ذات يوم في وقت الظهيرة نتجول وقطرات المطر هاطلة علينا لا نشعر بحرارة الظهيرة كما اعتدنا في بلداننا، شعرنا بقرصات جوع وكان لابد من تلبية نداء البطن إذا تصاعد، دخلنا مطعماً فيه أصناف شتّى من البحريات ومنتجات الكارب وبعض أصناف اللحوم الحمراء، والأمر عندهم كل طاولة لها موقد شواء وموقد سلق الأصناف وكل شخص يأخذ ما يريد ويطهو طعامه بنفسه،  أخذنا من كل الأصناف أشياء عديدة وطهينا ما اخذنا وكانت رائعة، بعد مضي ثمان ليال في جزيرة فوكيت خرجنا منها إلى مدينة شانغ ماي وهي في شمال البلاد، شانغ ماي الطقس فيها أبرد من غيرها وهي مدينة عالية التضاريس وفيها الكثير من المعابد البوذية وهي أكثر الديانات عندهم انتشاراً وقبولا، في بعض مناطقهم الجبلية توجد معابدهم الكبيرة بأصنامها الضخمة مذهّبة ومطرزة بأجمل طراز معماري، كل معبد له حكاية وقصص تُروى ومشاهد تتلى عن رواد تلك المعابد وعُبادها، يدخل الزوار إلى المعبد والبعض منهم يدخل إلى مقدمة المعبد حيث الإله المقصود للزيارة وحوله شموع مضاءة وقوارير مملوءة بالورود وبعض الزخارف، رأينا في خارج تلك المعابد أُناس ممارسون لليوغا يُنشرون فكرها وتقاليدها وبعض طقوسها وحكايات عنها وعن إيجابياتها، إذ الغارقون في رياضة اليوغا أكثر مما يتصور الإنسان ومن كل فئات المجتمع، رأينا بعض اهل المدينة يلبسون إزار ورداء بلون احمر وبعضهم بلون أخضر حلقى الرؤوس حفاة الأقدام، قيل لنا هم كذلك إلى الممات ولا يتغيرون عن ذلك ولهم في تلك المآزر والطقوس مقاصد ومآرب، ويعيشون بقية حياتهم في الغابات والمعابد في بُعد تام عن البشرية إلا ما ندر، ثلاث ليال كانت نصيبنا في شانغ ماي ثم عدنا العاصمة بانكوك والعودة من حيث جئنا والحمد لله رب العالمين.