مدونة أبو فراس عبد العظيم بن عبدالله هوساوي

رمضان وحنين الذكريات 

عند اقتراب شهر رمضان المبارك تفوح نسائمه العطرة من بُعْد أيام متعددة، يُشمّر الكل عن ساعديه لاستقبال شهر رمضان بما يليق به من قدرٍ واستقبال، تُطَهّر المساجد وتُعطّر بأطيب الروائح والمطيبات، يُعاد ترتيب دواخل البيوت وتُجهّز السراديب والطرقات، ساحة المسجد تُرش بالماء ويُسوّى أرضها وتُفرش بمفارش رمضان استعداداً لموائد الإفطار، كبار الحي يشرفون على كل التجهيزات الرمضانية والشباب يقومون بالإعداد والترتيب والصغار يشاركون بمقدوراتهم وما يمكنهم فعله، وأما النساء فيقمن بما قدرهن الله عليه من طبخ وإعداد المآكل والمشارب مما لذ وطاب، كانت أمي حفظها الله وما زالت تُهدي هداياها الرمضانية لصويحباتها مبكراً قبل رمضان، تُجهّز أكياس دقيق الدخن ومع كل كيس جالون لبن هذا هو صدوق هديتها، أكثر الأفارقة يُقدّسون دقيق الدُخن ويشربونه إما ساخناً ويُسمى ( كُنُو ) وإما بارداً بكُتل صغيرة من الدخن ويكون ثقيل اللزوجة المعد مسبقاً بمسمى ( فُرَا ) وإما بارداً خفيفاً كشراب العصير ويسمى ( فرو فرو ) وجميع الثلاث المشاريب السابقة تُعد بالماء واللبن والسكر وبعضهم يضعون الهيل للنكهة، عند التجهيز للسفرة الرمضانية العامة في كل ساحات المساجد يُخرج من البيوت أصناف وأطياف المأكولات والمشروبات وتُوضع على موائد السفر وتكون من نصيب الزوار والصائمين، حتى القطط يكون لها نصيب من فائض الطعام، لا أحد يبات بجوع ولا بعطش كل شيء متوفر موجود بفضل الله وبركات رمضان، تُصلّى التراويح بالمساجد وتدوي الأصوات الندية من كل حدب وصوب، أكثرهم يصلّون بإحدى عشرة ركعة متوسطة القراءة، وبعضهم بثلاث عشرة ركعة وقليلهم من يصلّي بعشرون ركعة، لا تُملّ الصلوات وكل قارئ يأخذ نصيبه من مأمومين ومحبين، والأجر في النهاية كلهم لهم موصول مأمول، الفوائد الرمضاية أكثر من أن تُحصَر وتُعَد، كانت الاجواء في الرمضانية في الأحياء تفوح بعير المحبة والتآلف والمودة بين جميع أفراد الحي، حتى الصائمين من خارج الحي يفطرون على موائد الإفطار في الحي ولا يشعرون بغربة أهل وبُعد وطن، كانت الاجواء بعد صلاة التراويح متناغمة بالألعاب والمجالس الرمضانية، أكشاك الطعام في كل مكان مابين بائع كبدة وبائع بليلة منكّهة وأكشاك لبعض الاكلات الخفيفة التي لا تُعرف إلا في الليالي الرمضانية، وأما المشروب الرمضاني الأسنى والأهنى ( السوبيا ) فهو شراب رمضاني قديم الوجود والصنعة، يُصنع من الشعير أو الشوفان مع خبز أسمر والسكر للتحلية وشيء من الهيل للتنكيه والقرفة، تُجمع المواد وتُترك لمدة محدودة ويعاد صياغتها وتصفيتها وشُربها ببرودة هانئة، السوبيا لها ذكر قديم في دواوين الكتب ومراجع التاريخ، وأذكر أن الرحالة ابن جبير ذكرها في ديوان رحلته وقد مكث في مكة ثمانية أشهر ذكر تفاصيل سكناه في رحلته، التفاصيل الرمضانية لا تُمل ولا تنتهي وأجمل مافيها الترابط الأسري والتآلف المجتمعي حيث يعرف الفرد أفراد مجتمعه كبيرهم وصغيرهم، نعمة من الله وفضل أدامها الله علينا وعلى الجميع وكل عام وأنتم بخير.