سؤال يردني حينما يجدني شخص بين يديّ كتاب أقرؤه فيستفتحُ حديثه معي بعد التحية والسلام كيف يبدأ القراءة ومتى الوقت المناسب للقراءة.
لا أجدُ لهذا السؤال إجابة موحّدة، فالقراءة كالطعام كلٌ يأكل ما يوافق ذوقه ويتناسب مع معدته، وقبل معرفة ماذا يقرأ الإنسان وبأي شيء يبدأ دعونا نتفق أن الأهم من ذلك كله هو وجود الإرادة الصادقة لمبتغي القراءة، إذ القراءة بلا إرادة لا يمكن التصادق والتعايش معها في قابل الأيام، فقبل أن تكون القراءة مهارة فهي أساس مكنون مهمٌ موجود في داخل كل إنسان، فهي كالزرعة لا تثمر ولا تنبتُ إلا بعناية واهتمام ورعاية حتى تُؤتي ثُمُرها بإذن ربها، وفي خضمّ تراجم القراء والكُتّاب نجدُ أنهم بدأو الخوض في عالم القراءة دون سابق معرفة محددة ولا أبجديات منظمة سوى ما يكون تراتيب الدراسة فذاك يكون إلزاماً لكل طالب، فالقراءة لا وقت لديها يُبدأ به ولا منهجية يُحتَذى بها إلا ما يكون من باب الترتيب والتهذيب، وأذكر أحد أساتذتي كان كثير القراءة بنَهَمٍ لا يُوصَف، يقرأ في اليوم ثلاث ساعات مع كثرة الأشغال، وست ساعات في وقت الراحة والإجازات، ومن عادته يقرأ الكتاب حتى يختمه ولو كان كتاباً ملولاً، أخبرني أنه بدأ القراءة وهو كان يعمل مساعداً لوالده في الحرث والزراعة، كان عندهم جار يكتنز الكتب ويأخذ منه كتاباً يقرؤه ثم يعيده إليه حتى استطاع بعد أشهر وجيزة قراءة ما لا يُحصى من الكتب، فأعفاه والده من مساعدة الزراعة وفرّغه للدراسة والقراءة، لم يكن عنده وقت محدد للقراءة فكان يقرأ كلما وجد فسحة من الوقت ولو دقائق معدودة، فهكذا وغيره كانت افتتاحيات حياتهم بالقراءة لا شيء سوى الإرادة الحقّة.