مع مطلع كل عام جديد تسترجع الذاكرة العقلية تلقائياً ما كان في بطن السنة المنصرمة من فرائد وفوائد وأحداث ومناسبات، فبعض تلك التفاصيل يطرب القلب لها وبعضها يسكبُ الدمع لها وبعضها يحمد المرء ربه على انصرامها وفراقها، وهذه عادة الإنسان في فلك الحياة دائمة الدوران لا شيء ثابتٌ فيها، حتى الإيمان القلبي يزيد في كل ثانية وينقص في بعض تلك اللحظات، ثَمّة تفاصيل خلال العام تجعل الإنسان يُعيد جدولة أفكاره وحياته وتفاصيل أيامه، فالأصل في خِلقَة الكون ومتعلقاته أن كل شيء مُنَظّم مرتب بترتيب إلاهي خارج عن الإرادة البشرية، إلا أن بعض الأصناف البشرية تأبى الترتيب وتعشق الفوضى في بواطنها وظواهرها، فلا شيء يدوم لها جراء شغبها إلا حسرتها على ما فات إن كان لها شيء من العقلانية التفكيرية، وأما المُنَظّم في حياته وتفاصيلها يعيش في سعادة دائمة ولا يمكث كثيراً في الأجزاء الخاسرة إلا من باب التعديل والتغيير، فهذا شأن السنة تجعل الإنسان ذو ترتيبٍ منظمٍ يسعد بقية حياته، ومع مطلع كل عام نجد الثقافات تتبارى فرحاً بالسنة الهجرية يُتَفاءل بقدومها، فاللون الأبيض يكتسح المشروبات وبعض المأكولات، واللون الأخضر فألاً بقادم الأيام، ففي عدد من الحضارات يجعلون اللون الأبيض في لباسهم ومشربهم، كما يُفعَل بشرب اللبن مطلع العام أو حلى الأرز باللبن كما هو شائع في الديار المصرية، وبعضهم يأكلون الحلوى البيضاء كما هو في عادات بعض بيوتات الحجاز قديماً يسمون الحلوى ( المهلبية ) وتُعمَل من دقيق الأرز والسكر والحليب ويُزيّن المظهر بالهيل المطحون، وهذا الطبق نزح من الشام واستطابه أهل الحجاز وأصبح في مناسبات الأفراح والمناسبات السعيدة يُقَدّم للضيوف، وبعضهم يستفتحون عامهم بطبق الملوخية كما هو شائع في كثير من العادات والتقاليد التي تزهو بها المجتمعات، وتلك العادات والتقاليد هي من باب الفأل الحسن مع حسن الظن التام الكامل بأن كل مفاتيح الخير والشر بأمر الله وحده، فعام هجريٌ سعيد وكل عام وأنتم بخير.