ماليزيا

لم يسبق لي زيارة ماليزيا إلا من خلال وسائل الإعلام ولقطات الصور وسماع تفاصيلها من عشاقها وزوارها، سنحت الفرصة ﻷن تطأ قدماي تلك الأرض الطيبة، وصلت إليها ليلاً بعد تسع ساعات في السماء نطير، دخلنا العاصمة والطقس رطب كما أني في جدة لا يفرق الطقس عنها إلا النزر اليسير، استيقظتُ فجراً والغيوم ملبّدة في السماء وما إن أفلج الصبح حتى انهمر المطر كمشتاقٍ إلى سلوى وجيرتها، توقف المطر وأخذت أمشي رويداً في بعض شوارعها كل شيء فيها هادئ ومرتب والبشر في فلكهم يعيشون، لفت نظري حول الفندق الذي أسكن فيه جمهرة من شعب الهند، مطاعمهم ونشاطاتهم ولكنة حديثهم المسموعة للقريب والبعيد، محلات لبيع الورود متعددة متكاثرة، وإذا بي أقف بجوار معبدٍ من معابد الطائفة الهندوسية كبير المساحة متعدد المداخل مزخرف من كل جانب، على كل مدخل من مداخله اصطفاف الكثير من الزوار والعبّاد يدخلون وكلٌ في يده وردة صفراء وهم الأكثر وقليل من يحملون بأيديهم وردة حمراء وكل لون له مقصد وشأن، على جباه الداخلين نقطة حمراء تنتصف الجبهة حفاة الأقدام يدخلون ويذهب كلٌ منهم لركن من أركان المعبد يضعون ورودهم ويرتلون نصوصهم بصوتٍ منخفض وانكسار احتياج، وهم ذو شعبية كبيرة في البلاد ومتعددة معابدهم في أطراف البلاد، تسوّحتُ في العاصمة ما استطعت، اتجهت إلى ولاية بينانج وهي في شمال البلاد تبعد عن العاصمة مسيرة خمس ساعات ونصف تقريباً بالحافلة، السفر براً هنا ممتع للغاية فمناظر الطبيعة عن اليمين والشمال والمطر ينهال بكل تؤدة وقلّة، وأُحب استهلاك الطريق في المشاهدة وشيء من القراءة، وصلنا لمقصد سفرنا لحضور حفل تكريم الحفاظ من مختلف البلدان والولايات، ترتيب المحفل على قدمٍ وساق، كل خطوة يقدمون عليها مدروسة التخطيط والترتيب، حتى ضيوف الشرف الحاضرين يتم تجهيزهم وتدريبهم على طريقة صعود المنصّة ومعرفة أماكن الوقوف والسلام على راعي المحفل، حتى الوقت يراعون فيه الدقة في كل شيء، انتهى الحفل بخير ومحبة وأُنس وسلام، خرجنا والمطر ينهمر بكل محبة وشوق، المطر هنا مهما تكاثر فهو غير مؤذي، يتوقف المطر وسرعان ما ترتوي الأرض ما سُقيت، خرجت بعدها واتجهت لولاية قدح وهي تبعد مسافة ساعة ونصف تقريبا بالسيارة، وفي طريقنا لقدح تذكرت مُعَلّم لنا في المرحلة الابتدائية الأستاذ أحمد ياسين معلّم التربية الفنيّة أذكر تفاخره الدائم بأنه من قدح فكان يقدح بما يهواه ولا يهاب أحداً، الكل يهابه من كبير وصغير، وصلت واستقبلني أخٌ فاضل وقور يقطن قدح منذ سنين عددا، أتى إليها من تونس واستوطنها فرحّب بي خير ترحيب وأكرمني خير إكرام وصنع لنا طعام العشاء بيده الطيبة وهي عادته عند قدوم أضيافه يُحب صنع الطعام بيديه، صنع لنا مائدة مغربية أصيلة، مائدةً ذات شوطين وبينهما استراحة العشر دقائق لتتجدد أسطح اللسان من لذيذ الطعام، جَنَّ علينا الليل بعد جلسة طويلة تسامرنا فيها من كل حديثٍ تشتهيه النفس، حان موعد عودتي لمسكني ببينانج، بيته في رحاب من الطبيعة الخضراء والهواء فيها منعش مطرب، أخبرني عندنا خروجنا بأن منطقتهم هذه مليئة بالزواحف وعلى رأسها ثعبان الكوبرا حتى أنهم تأقلموا بوجوده في بيئتهم، ابتسمتُ مما قال وفي داخلي أخذ الخوف يدبّ في جوانبي بتضاعف، أقول في نفسي الحمد لله أنه أخبرني بخبر الزواحف عندنا خروجنا، ولو كان قال هذا عند وصولي لما طاب لي مجلس ولا وحديث، عدنا من حيث أتينا والقلب في تشوّق لتكرار الزيارة للاسترخاء التام والحمد لله رب العالمين.