السَعْد الرفيع بذكريات شهر الربيع 

أكتبُ هنا ليس لبيان حكم شرعي ولا فقهي ولا أصولي، وكل فريق يُحترَم بما يستدل به سواء على المنع أو الجواز، ولكن مع دخول شهر ربيع الأول هبّت نسائمه لائحة في ميادين القلوب والأرواح لارتباطه بمناسبة عزيزة لكل مخلوق على وجه الأرض وهي مناسبة المولد النبوي الشريف في هذا الشهر الميمون، وأذكرُ منذ صغري أخذني والدي رحمه الله ذات مرة إلى الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف عند محدث الحجاز وبهجة الحرمين السيد العلاّمة محمد علوي المالكي رحمه الله فدخلنا وكان المجلس مكتظاً بالحضور من مشارق الأرض ومغاربها، بدأ السيد إلقاء كلماته الجميلة كعادته الميمونة في التعريف والتدليل بما صح من الأدلة والشواهد لهذه المناسبة ثم الانشاد بتلك الأصوات الشجية وكان رائد الإنشاد في تلك الجلسة أستاذ المدّاحين وكبيرهم السيد عباس علوي مالكي رحمه الله وصوته تعشقه الآذان وتطرب له القلوب، وتم ختام المجلس بالدعوات الجميلة وتناول طعام العشاء وكلٌ عاد فرحاً مسروراً من حيث أتى، أذكر أحد أصدقاء والدي أجده في ربيع يُكثر من الصدقات بما فتح الله عليه ويُكثر من ورده في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ورده في الأشهر الأخرى، ورغم بساطته وعاميته لكنه كثير التذكير لمن حوله من أهل وأحباب وأصحاب بمكانة شهر ربيع الاول وما فيه من نور وسرور، كان من نصيبي الجميل أن صادفني شهر الربيع وأنا في سفري إلى نيجيريا ورأيت بالحقيقة والمقال احتفالاتهم بالمولد النبوي بأجمل ما يكون، ما أن يدخل شهر الربيع الأول وتُنشد المدائح النبوية في أكثر المدارس والمجالس والمساجد ويجتمع الآلوف من البشر يسمعون ما يُتلى عليهم من الهدي النبوي والمديح الرائع تلاوةً لنماذج من قصيدة البردة ونماذج من دواوين شيخ الإسلام الحاج إبراهيم التي كتبها في المديح النبوي، والكلُ يأتي بما تيسّر له من مال وطعام وشراب ويوزعه على من يراه محتاجاً لذلك، هكذا الحال في كثير من البلدان الاحتفالات في شهر الربيع لها فنون وأشكال تطرب لها العيون وتأنس بها النفوس، وكلٌ بما يسره الله له، وأنا أكتب كلماتي هذه تمنيتُ كثيراً أن تكون لي عادة سنوية لحضور مثل هذه المشاهد الرائعة وكل عام في بلد، ولكن ما لا نستطيع إدراكه بقلوبنا وأجسادنا معاً فالقلوب معهم بما نسمع ونشاهد من البث الحي، مثل هذه المشاهد التي تكون خالية من الممنوعات والمحرمات انتشارها له أثر إيجابي في النفوس وتذكير للناس بعد غرقهم في الغفلة والدهشة، والحق كل الحق سيدنا محمد الحبيب صل الله عليه وسلم ذكره مغروس في نفس كل مسلم ومؤمن وكل مخلوق وفي هذا الشهر يزداد الأُنس به أكثر وأكثر، فالحمد لله على فضله ورحمته وبذلك نفرح والله يتقبل من كل ذاكر وشاكر والحمد لله رب العالمين.