القراءة في الطرق الطويلة

في عامي ٢٠١٤ و ٢٠١٥ كنت أترددُ كل يوم من مكة إلى جدة للعمل في غحدى المؤسسات القرآنية، وصادف أن يكون رفيق الدرب الأستاذ ياسر أبا عمّار نذهب ونعود سوياً بسيارته الميمونة، كل يوم نتجاذب أطراف الأحاديث في شتى العلوم والفنون والطرائف والمضحكات حتى نصل إلى وجهاتنا دون أن نشعر بملل وتعب، الأستاذ ياسر واسع الآفاق بنك مواهب ومعلومات، هو خطاط ورسّام ومصمم ومبتكر أفكار ومعلم أجيال يعرفه الكثير ممن أستفادوا منه، اقترح عليّ ذات مرّة بعمل جدول نقرأ فيه كتب أثناء ذهابنا وعودتنا من العمل لاستغلال طول الطريق فيما يُفيد بشكل أفضل، تذكرت حينها مجموعة كتب اقتنيتها من بسطة للكتب المستعملة ولم أقرؤها حتى ذلك الوقت، أتيت بأول كتاب في اليوم الثاني وبدأنا في مسيرة القراءة مرة يقرأ وأنا أسمع ومرة نعكس المهمة حتى نصل، ومع مرور الأيام اكتشفنا بقراءتنا لسبعة كتب متوسطة الحجم في الوقت المهدور للعمل، قرأنا في تراجم العلماء وحكايات المخترعين وعادات الأمم والمجتمعات وغرائب وفرائد الموجودات وغير ذلك الكثير والكثير، لم نكن نُدرك قبل ذلك بإمكاننا قراءة هذا المقدار بهذه الكيفية، وهذا يؤكد لنا الأوقات المهدورة في جدولنا اليومي سواء في القيادة أو مقاعد الانتظار، ومن قبل اتخذتُ لنفسي عادة بوضع كتاب في السيارة لقراءته عند الانتظار، وأذكر قرأت رواية لنجيب محفوظ وأنا منتظر النساء من انتهائهن من مهمة التسوق، ومن فوائد الأوقات المهدرة ما التمسته حقيقةً أيام الحجر البائس كورونا فخلال تلك الأيام استمعتُ ﻷكثر من مائتي ساعة علمية وقراءة أربعة آلاف صفحة، لعل في وقتنا الحالي مع كثرة مكوثنا خلف مقود السيارة نستطيع خلالها السماع لأشياء كثيرة نحبها ونستفيد منها فالوقت الفائض كثير ولابد من إدراكه بما يستحق.